حجرة
القضا
لكن الأمر هذا اليوم مختلف جدا حيث الصفاء والبهاء يطبع محيا الشوارع، وهل
من شارع غير هذا الشارع الغريب الذي غالبا ما أحييه من النافذة و أسلمه روحي؟
لتشابه عوادينا فتقصفني عيون غادرة بنظرات كاسرة؛ استنجد الغريق بالغريق والأعمى
بالبصير،علامات الجفاء مرابطة أمام
الأبواب الموصدة.
يا
قلبي كيف تحملت هذا الهم وبعد جهد جهيد استطعت السير بلا رجلين والنظر بلا عينين؟ !
هكذا اجتمعت الأحبة في جوف المنزل المحادي
للطريق الرئيسي المطل على دكان أبو علي؛ بائع الخبز والبنزين !
ارتسمت علامات البسمة على محيا حميد ليجيبه عبده بابتسامة خجولة عجيب أمرك يا حميد ! لابد أنك تحمل لنا
خبرا جميلا؟ تدخل الحسن قائلا: لا غرابة في الأمر ما علينا الآن إلا البحث عن شيئ
نسد به رمقنا ونستعدي به على الجوع، فأنا أقرأ الخبر خبزا !
آه الوقت متأخر جدا، فلنتوجه إلى المطعم
موافقون؟
على
بركاة الله
وضعت الصحون مكتنزةً بقطع اللحمِ والبطاطس
المقلية، تناولوها بنهم، دفعوا المقابل وانصرفوا.
وبينما هم على الطريق المؤدي إلى منعرجات تلال
الريف هبت رياح الربيع بنسيم مشبع بعبق أزهار اللوز والخوخ مما أغراهم وهيج رغبتهم في جولة استكشافية لما يحيط بسكناهم من تلال.
الانطلاقة من هنا.. هنا ..بل من هنا، لنتوجه
نحو هذا الطريق.
طيب
هذا يتطلب منا وقتا كثيرا، إذن فلنغامر ونقفز تجاه المنحدر
الأمر
أخطر مما نتصور؛ فالتل على وشك الانهيار، والكلاب الضالة تسقل مناشيرها عند السفح !
لا
يهم، إذا عزمت فتوكل على الله
قفز عبده
والحسن فيما فضل حميد الطريق الطويل.
الجميع في العمق نباح من هنا وهناك ورشق
بالحجارة على كل الجهات، والنتيجة موسيقى عجيبة؛ مزيج بين الكلام و النباح و
طربقات الأقدام الممشوقة بزفير الحجارة، هههه هؤلاء إذن هم حُراس معصرة الزيتون. زيتوووون؟
ولا أثر للزيت !
منعرج
آخر لابد من عبوره لبلوغ الطريق المستقيم الأبيض المؤدي إلى قرية الورود، ورود
حمراء وصفراء؛ مزيج بين الأبيض والأصفر، ورود بكل الألوان عطر شذاها فواح لكنها
مستعصية !
إنها
مكنونه في خيامها الإسمنتية المرصعة بالرخام !
قصور فوق التلال وصوامع على حواف الوديان، أكوام
بشرية بأعداد وفيرة أفرادا وجماعات، ذكرانا ولا حظ للمؤنث فيهم.
ما بال هؤلاء لا تكاد أعينهم تفارقنا؟
الأمر واضح، غرباء !
لا عليكم فلنواصل المسير.
عبده: أعتقد أنني زرت هذا المكان، أذكر انهم
يسمونه "حجرة لقضا"
حميد: لا بل "حجرة القضاء"
أرى
أنك معاند يا حاااامد !
أجل أنا متأكد
فلنغامر بمئتي درهم ولنقدمها للحسن؟
حميد: مئتي درهم كثير فلنكتفي بعشرين
ههه
عشرين ! لنجعلها أربعين
موافق
فلنسأل أول مخلوق نلتقيه في طريقنا ولنقدم له
عشرين ويتلقى الفائز منا عشرين موافق؟ موافق.
حمار
يلوك العشب ويبتلعه بنهم حينها قال عبده مازحا فلنلقي السؤال على هذا المخلوق فعلى
كونه غبي فهو ذكي، لا أحد يجمع بين الذكاء والغباء غيره أوليس الحمار من قال "التبن
والراحة ولا الشعير والفضيحة" ؟
الحسن: هههه لا لا أقبل بأن يقال إن المثقفين
يرضون بشهادة الحمير زيادة على كونه لا يحسن التصرف في المال هذا إذا كانت العشرين
درهما من نصيبه، فلنبحث عن مخلوق آخر أوفر حظا منه.
ها
نحن على وشك بلوغ الوادي أغنام بألوان مختلفة ترعى بين شجيرات الزيتون
وفي العمق غلامين أقدر أنهما في الربيع
الثاني عشر
عبده: تعالى يا بني ما اسم هذه البلدة أ
"حجرة القضاء" أم "حجرة القضا"؟
الغلام: هههه "حجرة لكضا"
عبده: ممتاز "الله يرضي عليك"، خذ،
اقتسماها معا فهي هدية منا لكما
تعانقا الولدان والبسمة بادية على محياهما شكرا شكرا يا عمي.
احمر وجه حميد، ولما رأى جماعة من الأطفال
قال: لنسأل هؤلاء مرة أخرى
و فيؤكدون من جديد: "حجرة لقضا"
ولو أردنا تحقيقها كتابة فصيحة قلنا: "حجرة القضاء" والقضاء في أصله
صخرة وجب الإيمان بها والتعايش معها حتى تزول، وهو ما ضاعف من شكوك حميد وزاد من
عناده فقال ثائرا الآن تأكد لي أنكما تريدان السطو على مالي !
عبده: لا طائل من هذا النقاش
أبخل هذا أم ماذا؟
حميد فلنسأل"مول الحانوت" مرة أخرى
ونقطع الشك باليقين
لك
ما تريد
صاحب الدكان: هي "حجرة لقضا" طيب
أظن أن الموضوع يغري بالنقاش أليس كذلك؟ بلى هو النقاش عينه
حميد منحني الرأس: إذن فلنشتري مشروبا يشفي
غليلنا من هذا النقاش الجاف
بل هو
الحقيقة التي ينبغي أن تطفو على السطح والتي يتغذى منها الحس والفكر، وهي الإلهام الذي
ينبغي أن يتجسد في عقد الحسن الفريد ويدخل في عد زفراته المتسلسلة.
أصوات الشمال : الأحد 1 شوال 1433هـ الموافق لـ : 2012-08-19
رائع رائع وفقكم الله
ردحذفالريف انو أطاس شكرا على عملك الرائع
ردحذف