النحو والبلاغة أية علاقة



النحو والبلاغة أية علاقة

ذ. افريدوعبداللطيف  

      إن العلوم البشرية ليست جزرا منفكة عن بعضها البعض،بل هي مترابطة ومنسجمة وكل منها يتمم الآخر وغياب أحدها يوحي بغياب الأخر، والعلوم البشرية تتكون لغويا بعلمين بارزين لهما الفضل الكبير في دفع عجلة اللغة العربية الى الأمام سيرا على نهج علماء اللغة من نحويين كسيبويه وسراجه "الكتاب" والجرجاني ومصباحيه "الأسراروالدلائل". إن العلاقة بينهما هي علاقة تشابك أقنعت بعض علماء اللغة بالدمج بينهما بالرغم من كونهما رافدين كل واحد له مشربه الخاص إلا أنه يمكن استخراج صورة أو تركيبها إلا إذا كانت صحيحة تركيبية ،لأن الانطلاقة من فرضية صحيحة تحتم نتيجة صحيحة لا غبار عليها، أما إن كانت البداية خاطئة فنتيجتها ستكون مثلها.
       من هذه الكلمة التي تسعى الى البحث في نوع العلاقة بين النحو والبلاغة وبيان ما بينهما من فرق يميزأحدهما عن الآخر،إنه موضوع يجذب الباحثين لسبر أغواره، لما في أحشائه من كنوز وجواهر منها المعروف وأغلبها منكر يجب النفخ عن التراب الذي يكسوالأدب العربي القديم منه والمحدث. هذا الإشكال خامرني منذ سنوات مضت وكان يؤرقني في مضجعي، ويقف أمامي صباح مساء وكنت دائما أرى حوله بعينين ذابلتين كمزادة شمطاء.
     لكن هل وقفنا يوما ما وتأملنا بعين المتفحص في تراثنا؟ ألم يكن العصر الجاهلي منبع الافتخار ورفع لواء الاعتزاز بالأدب العربي القديم ؟الم يكن الشعر اللغة الرسمية بين كبار فطاحلة الأدب والنقاد والتجار والعاميين حتى وشح بوسام ديوان العرب؟
    لا اختلاف إن قلنا بأن الإنسان العربي في العصر الجاهلي كان يتكلم بغريزة فطرية فصيحة تحتكم إلى كل القواعد الأساسية للنحو العربي ممزوجة بصور شعرية راقية وفي هذا الصدد قال بعضهم بيتا طريف هو:
    ولست بنحوي يلوك لسانه *** ولكن سليقي أقول وأعرب1
 إلا أن اللحن أصبح بعد فترة يتفشى بين الناس بسبب الفتوحات وتعرف العرب على غيرهم من الأمم والشعوب مما جعل اللغويين العرب يلجأون الى وضع قوانين تضبط الكلام العربي الأصيل. وروي أن أبا الأسود الدؤلي دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له:"يا أبت ما أشد(برفع الدال) الحر متعجبة ورفعت أشد فظنها مستفهمة،فقال:شهر ناجر،فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك، فقال لها:قولي:"ما أشد الحر بفتح الكلمتين.2
     إن أمثال هذه الأخطاء هي التي ألحت في نفس الدؤلي على وضع النحو العربي بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه،أوبأمر من علي بن أبي الطالب كرم الله وجهه،أو زياد بن أبيه، كما نص على ذلك الدكتور البلاغي النحوي المحدث محمد الواسطي في مقال له بعنوان" النحو والبلاغة أية علاقة" بكتاب "اللغة والثقافة والتنمية رهانات المغرب الحديث"3
    إن علم النحو له قوانين وضوابط من اللازم التشبث بها حتى سيقت له تعاريف دقيقة المدى ونمثل له بقول الجرجاني قال:" هو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية من الإعراب والبناء وغيرهما، وقيل النحو:علم يعرف به أحوال الكلم من حيث الإعلال،وقيل:علم بأصول يعرف بها صحة الكلام وفساده"4
الجميل في كلام د. محمد الواسطي أن الجهل بالإعراب لا يحط من قدر الكلام ومعانيه فقط وإنما يحط كذلك من قدر صاحبه،يقول ابن الأثير: "إن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة ولكنه يقدح في الجاهل به نفسه،لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه،وهم الناطقون باللغة،فوجب اتباعهم"5
     عندما نتحدث عن الرافد النحوي ففي الوقت نفسه نتحدث عن رافد لا يقل أهمية عن الأول بله من أقوى الروافد الأخرى وأغزرها على الإطلاق، وهذا ما سماه السكاكي "بعلم المعاني"
والذي خصص له كتبا جمة بعناوين من هذه الفصيلة وبعده ابن فارس في كتابه الصاحبي ثم العلامة الجرجاني الشمس المشرقة في سماء النحو والبلاغة العربيين، حيث اعتمد قاربا امتطاه الجاحظ وبعده القاضي عبد الجبار وهو ما أصطلح عليه "بالضم" وما يعرف عند الجرجاني بالنظم. حتى لا تستطيع في بعض الأحيان أن تفصل بين ما هو نحوي وبين ما هو بلاغي قال الجرجاني " واعلم أنك إذا رجعت الى نفسك علمت علما لا يعترضه الشك إن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض،وتجعل هذه بسبب من تلك،هذا ما لا يجهله عاقل،ولا يخفى على أحد من الناس".6
    من خلال كلام الجرجاني يتضح أن العلاقة التي تربط بين الرافدين هي علاقة تكامل وانسجام وترابط وتعاطف،هي علاقة وطيدة لا يمكن فصل أحدهما عن الاخر هما وجهان لعملة واحدة في تمازجهما الوثيق وتداخلهما العميق فلا وجود للنحو بدون بلاغة ولا لوجود للبلاغة بدون نحو.


المراجع:
1- لسان العرب، مادة "سلق".
2- جاء في القاموس:"ناجر رجب أو صفر،وكل شهر من شهور الصيف".
3- محمد الواسطي"النحو والبلاغة أية علاقة" كتاب اللغة والثقافة والتنمية رهانات المغرب الحديث هي أعمال الندوة التكريمية للأستاذ العميد محمد الشاد 30/31 مارس و 01 أبريل 2006
4- كشاف اصطلاحات الفنون 1684،والتعريفات للجرجاني236
5- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير،دار النهضة مصر للطباعة والنشر.
6- دلائل الإعجاز 81/82 تحقيق محمود شاكر

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |