اللسانيات التوليدية و التحويلية

ذ.حسن إدريسي مكناس في :20/06/2011


اللسانيات التوليدية و التحويلية


        جاءت اللسانيات التوليدية التحويلية في وقت كانت فيه السيطرة للسانيات الوصفية مع بلومفيلد، الذي كان يعتمد في تحليل الكلام على الموقع وفق فئات مؤلفة ، وكان يراعي في دراسته للغة كل من المستوى الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي. ولم تكن لسانياته تهتم بمتكلم اللغة ، ولا بدوره في إنجاز الكلام وتكوينه ، بل كانت تكتفي بوصف الكلام وصفا موضوعيا تجريبيا. ( )
       وفي ظل هذه الظروف، ظهرت اللسانيات التوليدية التحويلية بزعامة اللغوي الأمريكي أفرام نعوم تشومسكي avram noam chomsky( ) في كتابة الشهير " مظاهر البنى التركيبية sntactic structure ، الذي أصدره حينما بلغ التاسعة والعشرين من عمره (1957) ، وهو الذي شكل بداية للثورة على علم اللغة الوصفي، ووجه البحث اللساني في اتجاه عقلاني .وبالتالي إحداث تغيير جدري في الاتجاه اللساني الوصفي. ( ) فقد قدم تشومسكي منهجية متماسكة وموضوعية ، اعتمد فيها على التجريد العلمي في صياغة الفرضيات الفعالة ؛ التي بإمكانها تحليل المعطيات اللغوية تحليلا موضوعيا وواضحا، مجسدا بذلك موقفا مخالفا للهدف الذي كانت تتوخاه اللسانيات البلومفيلدية ، حيث تجاوز وصف اللغة إلي تفسيرها، وتحليل تركيب البنية اللغوية ، وتحويلها من بنية إلى أخرى مستندا إلى حدس المتكلم ، ومعرفتة الضمنية بقواعد لغته . وتلك المعرفة هي التي يروم تشومسكي دراستها ؛ لأن متكلم اللغة في رأيه ، هو موضوع الدراسة اللسانية لأنه قادر على إنتاج عدد لا متناه من الجمل ، فكان قد حدد هدف لسانياته في تحليل مقدرة المتكلم على إنتاج الجمل التي لم يسمعها من قبل، وعلى أن يفهمها، وحدد عمل اللساني في صياغة القواعد التي بمقدورها إنتاج اللغة مادة البحث ( ) ، وهذا لا يعني أن تشومسكي لم تكن له علاقة بالدراسات التي سبقته، فقد استفاد من النتائج التي توصل إليها النحو التقليدي ، والوصفي على حد سواء ، فأخذ منها نقط القوة وانتقد نقط الضعف. فانتقاده للنحو التقليدي ينحصر في شكله العام ، وتعريفاته وقواعده الغامضة ، ومع ذلك فقد " اعترف تشومسكي ببعض جوانب القوة في النحو التقليدي ( ) فقد اعترف بكون النحو التقليدي يعطي تطورا أكثر عمقا ، وملاءمة لطبيعة اللغة ( ) . وكتاب تشومسكي (1957) خرج متأثرا بنظرية جاكبسون، الذي كان يرى أن الفونيمات هي ملامح مميزة.فكتابه " النظام الصوتي للغة الإنجليزية the sound patlern of english" لم يقتصر على اللغة الانجليزية فقط بل سعى إلى جعل تلك القواعد كلية ، وهو ما سعى إليه تشومسكي أيظا في نظريته التوليدية التحويلية، فهو يرى أن العلم الفونولوجي التوليدي ، يتناول الفونيمات كوحدات متميزة في المعنى ، والنظرية التوليدية التحويلية ؛ لا تتناول هي الأخرى طرق تدريس الأصوات اللغوية .( ) وقد تمرد تشومسكي على المذهب السلوكي ، وانتقده انتقادا شديدا ، وحاربه .فقد ذهب إلى أن البنيوية ركزت على وصف التراكيب اللغوية، وحللتها تحليلا شكليا ، وهمشت الدور الذي يقوم به الكمتكلم في إنتاج اللغة من خلال كفايته اللغوية ، وقواعده الفطرية ، كما همشت الدور الذي يقوم به المعنى في اللغة .فانتهى-تشومسكي- كما قال زكريا إبراهيم : " إلى نظرية ديكارتية في اللغة ، تتعارض تماما مع النزعة البنيوية المعاصرة ، بوصفها نزعة صورية ( شكلية) تهتم بتحليل اللغة المكتوبة أو المنطوقة ، ليؤكد لنا أن الإنسان يبتكر في كل لحظة، وأن المهم في اللغة دائمـــا هـو ( الإنسان متكلم اللغة )"( ). وكان تشومسكي قد نهل من الفكر الديكارتي الذي كان يؤكد دائما على القدرة الإبداعية في العقل البشري ، مشيرا إلى أن العقل مشترك بين جميع أبناء البشر ، مما يؤكد على أن آلية التفكير تبقى واحدة ومتكافئة بين جميع الناس.( ) وفي هذا تمهيد لما سماه تشومسكي ؛ بـ" النحو الكلي " .ومادامت اللغة خاصية من خصائص الإنسان دون غيره من الحيوان – لأنه يتميز عليه بالعقل – فمعنى هذا أن اللغة مرتبطة بالتفكير ، والتفكير من نتاج العقل المشترك بين جميع الناس كما رأينا سابقا، مما يؤكد على وجود قواعد لغوية مشتركة بين جميع الناس ، هي المختزلة في القدرة أو الملكة اللغوية . هذه الأفكار جعلت تشومسكي يكتشف أن للإنسان تميز لغوي مقارنة بجميع الكائنات الأخرى ، وهو المتجلي في قدراته على الإبداع اللغوي ( ولو تعلق الأمر بألفاظ وتراكيب لم يسبق له أن سمعها ) مما يوضح أن المتكلم هو هدف الدراسة اللسانية عند تشومسكي ، وهو هدف أكثر إفادة، كونه لا يقتصر على وصف القدرة فقط، بل تجاوز ذلك إلى توفير نحــوا قادرا على " تقييم كفاءة الأوصاف المختلفة للقرة differeet accounts of compètence ، والتوغل فيما وراء دراسة اللغات الفردية، إلى طبيعة اللغة البشرية ككل ، وذلك عن طريق "الجوامع اللسانية " liguistic universals. وبهذه الوسيلة ينعقد الأمل على اللسانيات كي تساهم في فهم طبيعة العقل البشري. ( ) وهو ما جعل تشومسكي ينخرط في خط العقلانيين rationalists من قبيل : أفلاطون وديكارت وهومبولت ، الذين ينظرون إلى العقل على أنه مصدر للمـعرفة – بل ولكل المعارف - . فهو أسمى من جميع الحواس لأنه يحتوي على تصورات وقضايا ومعارف سابقة عن التجربة، لا نحتاج في اكتسابها إلى الاحتكاك بها في الواقع، وهي التي تمكن العقل من تفسير معطيات التجربة ( ) . إن دور القواعد البديهية عند تشومسكي يتجلى في أنها تمكن صاحب اللسان من استعمال لسانه الذي ولد فيه ، فهو بهذا يرى أن كل صاحب لسان يجيد الحديث باللسان الذي ولد فيه ، ويجيد استظهار قواعده دون تلقين من مدرسة أو معلم .


هوامش:


1) ميشال زكرياء (1972) :الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية ( النظرية الألسنية ) ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ط: 1، ص: 123.
) د، إبراهيم كونغ الجو: رأي المدرسة التوليدية التحويلية في تحليل الأصوات اللغوية ،ص:1.
) أحمد مومن (2005): اللسانيات : النشأة والتطور ، ص : 202.
) ميشال زكريا(1972):الألسنية التوليدية وقواعد اللغة العربية ( النظرية الألسنية )ص: 12.
) أحمد مومن (2005): اللسانيات : النشأة والتطور ، ص: 203.
) المرجع والصفحة نفسها .
) د، إبراهيم كنغ الجو رأي المدرسة التوليدية التحويلية في تحليل الأصوات اللغوية ، ص: 1.

) إبراهيم ، زكرياء ، مشكلة البنية ، ص: 68.
) د، وفاء محمدكامل ، البنيوية في اللسانيات ، مجلة عالم الفكر ، الهامش :101،ص:263.

) نفسه، ص: 248.
) أحمد مومن (2005): اللسانيات : النشأة والتطور ، ص: 204.

هل أعجبك الموضوع ؟

هناك تعليق واحد:

  1. بعض الأخطاء في الرسم لا تقلل من قيمة المقال :أيضا ترسم بالضاد

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |