الدلالة الطبونيمية لسجلماسة (مقتطف من كتاب :"الأوضاع الاجتماعية والمعمار بسجلماسة ( من ق 2هـ إلى 8 هـ)"،حسن إدريسي وعبد العزيز اليوسفي،2008،من ص1-4-5-6)

 
 تعد أسماء الأماكن أو ما يصطلح عليه إسم الدلالة الطبونيمية، من الصعوبات التي يستعصي على المؤرخ في الغالب فك ألغازها ومعانيها لكونها مرتبطة أشد الإرتباط باللغات التي أوجدتها. ولهذا تبقى دائما محكومة بقوانين لسانية معقدة البنية ،ونظرا لمحافظة هذه الاسماء على صيغتها القديمة، وإستمرارها عبر العصور من دون تغيير، فإنها تشكل بالنسبة للغات القديمة للمنطقة، وكذا لمعرفة تاريخ هذه المنطقة، عنصرا أمينا، شريطة أن نستطيع فك ألغازها.
    فاسم مدينة سجلماسة كغيره من الأسماء التي عرفها المجال المغربي؛ كفاس ،ومكناس، ووجدة، وطنجة...، قد صيغت بلغة معينة كانت متداولة في البلاد، إذ كيف يعقل أن يسمي الإنسان الأشياء بأسماء لايعرف معناها، ولاترتبط بالعصور التي ينتمي إليها، ومن هذا المنطلق فكلمة سجلماسة توحي بوجود رصيد لغوي هام يجب جمعه قبل أن يتعرض للاندثار، ودراسته بطرق علمية ،وبكيفية تعتمد على النظريات المتطورة في علم اللسانيات لفك الغاز هذه اللغات الغنية بالمعلومات.
 إن اسم سجلماسة يعتبر الوحيد في شكله في المجال المغربي، وهو بهذا الإنفراد في الشكل يجعل فك معناه ليس بالامر الهين. وحتى نقوم بهذه العملية اعتمدنا على مقاربة الأستاذ العربي مزين (عميد كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالقنيطرة) الذي عمد الى تفكيك حروف هذه الكلمة بحثا عن الجدر فيها.
طبعا العملية فيها مخاطرة إذ من الصعب معرفة ماينتمي إلى الجدر، وما هو ناتج عن الإشتقاق من حروف هذه الكلمة، وكيفما كان الحال فقد انطلق من فرضية أن الحروف س/ج/ل/م/س التي تقوم عليها هذه الكلمة، كلها عناصر أساسية، كما احتمل أن حرف/ج/ في هذه المجموعة هو من الحروف التي قد تتحول الى /ج/ مصرية أي /ك/ فنحصل على /سكلماسة/ عوض سجلماسة.

وهنا بدأ اللغز يجد شيئ من الحل، إذ نجد مجموعة من الأماكن المغربية تحمل مثل الأسماء المكونة من هذه الحروف الأصلية التي قلنا أنها المكونة لجدر الكلمة رغم أنها لاتربطها بمدينة سجلماسة أي علاقة،
ومن بين هذه الأماكن مدينة أكلموس، إسم الموضع الموجود بالهضبة الوسطى، قرب مدينة خنيفرة، وماسة؛القرية الموجودة بمنطقة حوز مراكش، و أولماس؛ الموقع المعروف بمياهه المعدنية بالهضبة الوسطى بالمغرب، وتلمسان بالجزائر، وماسة بسوس، وكلمة ألمس وهو إسم البئر عند قبائل التواركة بالصحراء الكبرى، كما نجد مع شيئ من الاختلاف في الحروف، كلمة كلميمة؛ بمنطقة غريس.
       فحينما ندقق النظر في هذه الأسماء نجدها متكونة من جزء أول يشتمل على مجموعة  الحروف/اك/التي تتحول في بعض الأحيان الى /سك/ وجزء ثاني يتكون من مجموعة الحروف/ل/م/س/ التي قد تتحول في بعض الاحيان الى /ل/م/م/، ومن المثير للانتباه أن كل الكلمات المشتملة على الحروف /ل/م/س/ يعني /لمس/ تطلق بدون استثناء على أماكن فيها ماء ـ أو معروفة بالماء- ، فأولماس معروفة بالمياه المعدنية ،وتلمست بالشياظمة معروفة بمياه العين، وتلمسان بالجزائر يحكى أنها كانت محل ماء، قبل أن تصبح موقع المدينة المعروفة حاليا، وماسة بسوس توجد على البحر في منطقة يتداخل فيها البحر مع اليابس، وكلميمة توجد على موقع من واد غريس تتجمع فيه المياه في بركات، وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن مجموعة الحروف /ل/م/س/ او /ل/م/م/ تكون مرتبطة دائما بالماء، فهي تعني الماء في لغة قديمة بالمغرب، قد تكون هي اللغة الأمازيغية القديمة وبالتحديد الزناتية، باعتبار أن العنصر الذي كان  يقطن المنطقة لأول مرة هو الذي يؤطرها ويعطيها تسمية، أما المجموعة الثانية من الحروف /اك/والتي قد تتحول كما قلنا أنفا الى /سك/ فهي معروفة عند كل المهتمين باللغة الأمازيغية، وهي تعني الإشراف على شيئ أو مايشرف على شيء.
     وهكذا يتضح معنى كلمات مثل أكلموس، التى تجزء الى جزئين/اك/و/لموس/ التي تعني ما هو مشرف على الماء ،والمعنى المعروف بالأمازيغية حاليا هو القبعة التي تعلو الجلباب، والتي وظيفتها هي أن تقي من ماء الشتاء.
ومن هنا نفهم أن الكلمات السابقة الذكر تعني الإشراف على مساحة مائية ،وهذا كله يجعلنا ندرك أن كلمة /سجلماسة/ مجزءة هي الأخرى إلى جزئين: /سك/ وهي صيغة التعدي لكلمة /اك/ التي تعني الإشراف على، وكلمة /الماس/ وهي جمع ألميس؛ ويعني الماء. وهنا نتاكد من أن مدينة سجلماسة أصلا هي سكلماسة أي المحل الذي يجعلك تشرف على الماء، أو بعبارة أخرى المحل الذي يقيك من المياه ،ثم حرف هذا الاسم الى سجلماسة.
      وقد أكدت الأبحاث الأركيولوجية، والجيولوجية، التي قام بها الباحثان الفرنسيان "كاموس" و"ماركا" استنادا الى ما يقول البكري، من أن سجلماسة كانت تحيط بها مياه واد زيز، من جميع النواحي، وأن المدينة في الحقيقة  كانت مبنية على مرتفع، مكون من صخور ترجع إلى العصر الجيولوجي الأول، وأن هذا الموقع المرتفع ،كان يشرف على الواحة، التي كانت غالبا ما تغمرها مياه السيول، ومياه واد زيز، فكانت تشكل هذه المياه حاجزا دفاعيا، قد يكون هو الذي دفع الناس في البداية إلى اختيار موقع إنشاء المدينة، كما يخبرنا هذان الباحثان بأن ما نجد الآن من تدني لموقع سجلماسة، إنما هو راجع  الى الترسبات، التي تركتها مياه السيول في الواحة خلال العصور التاريخية، وفي مناخ ممطر يختلف نسبيا عما نعرفه الآن، والتي يصل سمكها حسب هذان الباحثان في بعض الأحيان، الى 30  متر ولعل في هذا حلا صريحا وحقيقيا للغز المضمر في اسم مدينة عريقة أصبحت ركاما، إنها مدينة سجلماسة.
مقتطف من كتاب :"الأوضاع الاجتماعية والمعمار بسجلماسة ( من ق 2هـ إلى 8 هـ)"،حسن إدريسي وعبد العزيز اليوسفي،2008،من ص1-4-5-6



 

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |