العقلانية بوصفها منهجا لم تعرف ميلادها إلا بعد التجريبية، لكنها ومع
ذك كانت معروفة منذ أزمنة ضاربة في القدم ، بدليل وجود عدة مصطلحية وإن
كانت يسيرة تدل على طبيعة المعرفة العقلانية ، وعن أسبقيتها عن التجربة
وذلك من قبيل " الفطرية " l’inneise مع ديكارت ، والأشكال المسبقة les
formes a priori والصورية le transcendantalisme عند كانت. وهي تهتم
بالمعارف السابقة عن التجربة كما تقوم بتحليل القوانين المتأصلة في العقل
البشري . وقبل ذلك كله تحدت أفلاطون منذ العصر اليوناني عن التأبه
"reminicsence والتذكر الغامض أو المبهم ؛ والتذكر من هذا المنظور هو
عبارة عن " عودة بمناسبة رؤية الأشياء المحسوسة أو أنه تذكر الأفكار
المشاهدة في العالم المدرك عقلا وليس حسا ، مع الوهم بأنها تأتينا من
العالم المحســوس "( 1) وقد كان مينو يقول : ليس التعلم شيئا آخرا سوى
التذكر "( 2 ) وفي هذه المصطلحات حسب فولكيه اعتراف بأن التجربة ضرورة
لفهم هذا المعطى السابق عن التجربة ( 3).وقد قدم مارابو marabout في
قاموسه تعريفا للعقلانية ، وضح من خلاله معيارها ومسماها وأسسها ، فهي من
حيث التعريف: كل أمر يدرك بطريقة مباشرة أو يستنتج استدلالا (4 ). وأن
معيارها يكمـن في إمكانية تنفيذ مجموعة من العمليات على موضوع ما مع
إمكانية أن تكون ذات ميل تعميمي .أما من حيث المسمى ، فهي تطلق على كل
نظرية تجعل من العقل أساسا لكل معرفة ممكنة. ( 5) وتعتبر في أساسها المعرفي
شاملة لأي نظرية استطاعت أن تؤكد في نتائجها أن العقل ، باعتباره ملكة
يحمل في ذاته رشيمات المعرفة السابقة عن التجربة. ( 6) ويتمثل الاتجاه
العقلاني في مجموعة من الأسماء البارزة ، لعل أبرزها :ديكارت ، وليبنز ،
وميشيل بريل ، ويمثلها تشومسكي وكاتز وفودور والفاسي الفهـري في المجال
اللساني. يقول هذا الاتجاه بفطرية وقبلية (aprioriste) العقل البشري (la
raison humane) أي أنه يمتلك أفكارا ومعارف سابقة عن الأحاسيس والتجربة .
ويرى تشومســـكي أن اللغة جزء لا يتجزِِِأ من المعرفة الفطرية في الحقل
اللساني ، مما يتطلب الاهتمام بها أثناء الدراسة والتحليل اللغويين ، وهذا
ما جعل اللسانيات التوليدية تحلل اللغة عن طريق صياغة الفرضيات التي تمكن
من تفسير القضايا الممكن ملاحظتها مع دراسة العلاقات القائمة بينها
معتمدة في ذلك على المنهج الاستنباطي. (7 ) لأن اللغة فعل عقلاني ، تتجلى
ملامحه في كون الإنسان يعبر عن الأشياء برموز لغوية ، إذ يرى الأشياء حينما
يتحدث عنها كما أنه لا ينقلها إلى مرآة العين ، بل يعوض عنها برموز لغوية
، ومنه فهو يرى اللغة المعبر بها عن الأشياء والحاضرة في شكل رموز،
وكلمات وحركات ...إلخ. فالفعل الإنساني إذن فعل عقلاني بامتياز، ولعل كون
اللغة خاصية من خصائص الإنسان دون غيره من الحيوان ، -لارتباطها بالفطرة
الإنسانية والتي جوهرها العقل- أكبر دليل على ذلك . كل هذه النقط
السابقة الذكر تؤكد على أن المعرفة العقلانية سابقة في وجودها عن التجربة،
وأن التجربة في هذا الصدد دليل على وجود معرفة قبلية ( هي المعرفة العقلية
)، وهي حسب الأستاذ منذر عياشي ليست منتجا معرفيا، وإنما هي دليل على
وجود معارف قبلها. وأن إقرار هذا الأمر في العقلانية ، هو جسر واصل بينها
وبين اللسانيات ( 8 ) باعتبارها دراسة علمية للغة حسب سوسير وهو ما
دفعنا إلى التساؤل عن العلاقة القائمة بين العقلانية كمنهج ، والظاهرة
اللغوية ؟.
حســـــن إدريســـــــــي :2010
هوامش: 1 )paul foulque, dictionnaire de la langue philosophique, p.631. 2) المرجع والصفحة نفسها . 3)نفسه،ص.61. 4) Mamrabout,tom ,3,p.577. 5) المرجع والصفحة نفسها . 6)المرجع والصفحة نفسها .
7) ميشال زكريا(1981) :الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة
العربية ( النظرية الألسنية ) المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،
ص: 96. 8) منذر عياشي : مناهج اللسانيات ومذاهبها في الدراسات الحديثة . 06/06/07, 21:23 :http://www.atida.org/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق