المسيرة اللسانية



   picture speech
      تحتل اللسانيات في المشهد الفكري المعاصر مكانة متميزة،  لخصوصيتها من حيث الأصــول والمنطلقات، والمناهج وأساليب التحليل . فقد استمدت  أصولها ومبادئها من  حقول معرفـية عديدة، كعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا  والفيلولوجيا .لكنها لم تعرف كعلم حديث ومستقــل،  له موضوعه الخاص ، إلا مع مطلع القرن العشرين مع سوسير،  في كتابه "محاضرات في اللسانيات العامة. " الذي جسد  الأسس الأولى للسانيات الحديثة، فكان سوسير قد فند بذلك الفكرة القائلة بعدم قــدرة اللاحق على العصف بتصورات السابق.فارتسمت بعده ملامح المدارس اللسانية في القرن العشرين، فيما لا يقل عن خمس مدارس، اختلفت من حيث المنطلقات والمناهج وأساليب تحليل اللغة. وذلك بعد زمن كانت فيه السيطرة للسانيات التاريخية  التي اعتمدت على عوامل تاريخية  في تفسير الظاهرة اللغوية ، متأثرة بالمناهج التي كانت سائدة آنذاك، كالمنهج المقارن والفيلولوجي، ومنهج إعادة التركيب اللغوي،  وكذلك بنظرية النشوء والارتقاء  التي كانت سائدة حينئذ، إضافة إلى بعض النظريات الخاصـة بالتعبير اللغوي ، وعلى رأسها النظرية الفيلولوجية والسيكولوجية، والنظرية القائمة على التصنيفات   النوعية للغات. وفي هذا المناخ اللغوي المتنوع، ظهر عصر جديد بمواصفات جديدة مع المدرسة البـنيوية، التي دعت  إلى فصل البنية عن كل المؤثرات الخارجية التي تحيط بها. مقعدة بذلك لتــصور علـمي بحكم المنطلقات التي  استند إليها سوسير،  والتي من بينها تفعيل دور العلاقات  الداخلية بين أجـزاء اللغة. لتتشكل بعده مجموعة من المدارس، كالمدرسة الوظيفية التي ترى أن بنية اللغة خاضعة لوظيفتها،  والتي تتجسد واقعيا في الكلام الفعلي المتحقق، ومدرسة براغ  التي أسدت خدمة جليلة  للـــسانيات مع" أندري مارتنيه"  و"رومان ياكبسون"، ثم مدرسة "كبنهاغن"  التي أعطت اللسانيات دفعة قوية إلى الأمام، مع  الدانماركي "لويس هيلمسليف"  في نظريته المعروفة ب"الغلوسماتكية" ، والتي استــغنى فيها عن معطيات الفلسفة  الأنتروبولوجية، واللسانيات المقارنة؛  مستندا في مقابل ذلك إلى لسانيات علمية تقوم على قوانين  رياضية ومنطقية، وبعد هذه المدرسة تأسست مدرسة لندن  ممثلة التجربة البريطـانية مع "فورث" و"جونس" و"سويت" و"بال". ثم جاء دور المدرسة  الوصفية بأمريكا،  مع "إدوارد سابير" و"بلومفيلد"، و"هاريس"  و"هوكيت" . فتُوجت كل هذه المجهودات  بعمل جديد فريد،  مع الأمريكي "نوام تشـومسكي"  الذي حول البحث اللساني  من التجريبي إلى العقلاني،  واضعا بذلك الأسس  الأولى للسانيات التوليدية  التحويلية، لأنه باستثناء المدرسة التوليدية  تبقى كل المدارس مستندة إلى  وجهة نظر  تجريبية. وهكذا كان تشومسكي  قد نقل البحث اللساني  من التجريبي  الوصفي إلى العقلاني  التجريدي .

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |