أهمية الذوق الجمالي في حياة الأفراد والجماعات



        ذ.مصطفى نبوي





أهمية الذوق الجمالي في حياة الأفراد والجماعات

         يحتل الذوق الجمالي مكانة سامية ونبيلة في حياة الأفراد والجماعات، لأنه يعمل في ترقيتهم أكثر مما يعمل العقل. فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع،ليس فرقا في العقل وحده . بل أكثر من ذلك فرق في الذوق .ولئن كان العقل أسس المدن، ووضع تصميمها ، فالذوق جملها وزينها. إن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الفرد فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء ، وجرده من الاستمتاع بمناظر الطبيعة الخلابة وجمال الأزهار والأنهار ، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل ، والأدب الرفيع من قصص ومسرحيات وحكايات عجائبية ، والصورة الرائعة ،وجرده من الحب في جميع أشكاله ومناحيه ، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياة الفرد؟ . وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأمة ،فجردها من دور فنونها ، وجردها من حدائقها وبساتينها الغنّاء ، وجردها من مساجدها الجميلة والجليلة وكنائسها الفخمة ، وعمائرها الضخمة ، وجردها من نظافة شوارعها ، وتنظيم متاحفها ، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها ، وفيما يميزها من الأمم المتوحشة والأمم البدائية .
        إن للذوق مراحل كمراحل الطريق،ودرجات كدرجات السلم .فهو يبدأ بإدراك الجمال الحسي :من صورة جميلة ،ووجه جميل ، وزهرة جميلة ، وبستان جميل ، ومنظر طبيعي جميل .ثم إذا أحسنت تربيته ارتقى إلى إدراك جمال المعاني ،فهو يكره القبح في الضعة والذلة ،ويعشق الجمال في الكرامة والعزة ،وينفر من أن يظلم أو يظلم ويحب أن يعدل ويعدل معه ،ثم إذا هو ارتقى في الذوق كره القبح في أمته وأحب الجمال فيها ، فهو ينفر من قبح البؤس والفقر والظلم فيها ، وينشد جمال الرخاء والعدل في معاملتها ، فيصعد به ذوقه إلى مستوى المصلحين . فالإصلاح المؤسس على العقل وحده لا يجدي ، وإنما يجدي الإصلاح المؤسس على العقل والذوق جميعا . ثم لا يزال الذوق يرقى إلى أن يبلغ درجة عبادة الجمال المطلق والفناء فيه ...
         فعلى هذا الأساس ينبغي على كل فرد أن ينظم ذوقه وذلك من خلال استشعاره للجمال في المأكل والملبس والمسكن ، وأن يصادق الزهور ويعشقها،ثم ينشد الجمال في مجال الطبيعة وأن يمد بين قلبه ومناظر البساتين والحدائق ـ والسماء ونجومها ، والشمس ومطلعها ومغيبها ،والبحار وأمواجها ، والجبال وجلالها ـ خيوطا حريرية دقيقة تتموج بموجاتها ، وتهتز بهزاتها ، ثم النظر إلى الأخلاق على أن فضائلها جمال ، ورذائلها قبح ، لا على أن فضائلها منفعة ورذائلها متلفة .وليعلم كل فرد منا أن الأشخاص الذين يتميزون بالذوق الرفيع لو تولوا شؤون السياسة ورياسة الأحزاب لكانوا مثلا في حب الخير للناس جميعا ، ورقة القلب ،وإدراك ما يجب أن يعمل وكيف يعمل ، وما يجب أن يترك .لكن للأسف الشديد ما نلاحظه في مجتمعنا هو عكس ما يحصل ، حيث نرى الشوارع غير منظمة وغير نظيفة ، والأمور الصحية مهملة لا يعتنى بها ، ومعاملة الناس بعضهم البعض جافة سيئة ، تحدث ضوضاء وجلبة ، كالآلة التي لم تزيت ، كما نرى العداوة والخصومة والحقد مستشري بين رجال الأحزاب السياسية خاصة أحزاب الأغلبية والمعارضة ، ورجال الحكومات تعنى بمناصبها أكثر مما تعنى بمصالح رعيتها ، فهذه الأمور منشأها فقدان الذوق الرفيع لا العقل النابه المدرك لما يحيط به.
     من هنا، فنصيحتي لكل فرد هو أن يكوّن ذوقه وينميه. فإن فعل هذا يكون قد ضمن سعادة الحياة والاستمتاع بها، وضمن سمو الأخلاق ونبل العواطف، وضمن نجاحه على قدر كفايته، وما التوفيق إلا بالله.
 

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |