المرأة في الريف.. أكثر من نصف قرن من المعاناة



             ذ.حسن إدريسي


     على الرغم من التقدم الذي عرفه المجتمع المغربي  بشكل عام على مستوى الحقوق والحريات خصوصا ما تعلق منها بحقوق المرأة وإحقاق مبدأ المساواة ( استعملت لفظ المساواة بكثير من التحفظ لأنني أفضل مكانها لفظ العدل) في الآونة الأخيرة. فبعض المناطق في الريف المغربي تبقى بعيدة كل البعد عما تحقق في مناطق أخرى في هذا المجال لأسباب اجتماعية وثقافية في الغالب.

     فالمجتمع الريفي يعد أبيسيا ولا دور للمرأة فيه خارج حدود البيت وأشغاله إلا في حالات نادرة حتى إن تلميذا أجاب أستاذه داخل الفصل عندما سأله  عن دور المرأة أنها "لا تصلح إلا للبيت والزواج " بدعوى كون المجتمع الريفي محافظ، وأن القضية تتعلق بثقافة الأجداد. وهو ما يكشف عن التأثير القوي للتراكمات الثقافية على ذهن النشء، إذ من المفترض أن يكون هذا التلميذ وهو في سن الثامنة عشرة في قمة التحرر والانعثاق.

     عموما  فالمرأة هنا عنصر غريب محظور ظهوره في الشارع العام،  وتحرم عليه رؤية الشمس  أو الخروج في نزهة أو حتى زيارة الطبيب اللهم في الحالات المستعصية وبعيدا عن مستوصف البلدة. أما بخصوص فريضة طلب العلم  ومواصلة الدراسة الجامعية فالمرأة تستثنى من هذا الحق بدعوى أنه لا ينتظر منها أن تصير طبيبة ولا أستاذة ولا... ويتوقف مشوارها سلفا عند  حدود المرحلة الإعدادية أو الثانوية في أحسن الحالات إلا من كانت محظوظة  و جاد عليها الرحمان بمعجزة من السماء. ومع ذلك فهي لا تسلم من الألسن والأعين،  والتهمة دائما "أنتي أنثى" والمجتمع فاسد. ولا يطرح السؤال: من أفسده؟

      في الريف مازالت المرأة تذكر مردفة بكلمة "حاشاك" والقائل رجل بطبيعة الحال ! إنه القائل والحاكم و السجان و الجلاد في نفس الوقت.

     فبمجرد ظهور أنثى في الشارع إذا حصل !  تلازمها عيون الرجل ولا تكاد تفارقها؛ الجالس في المقهى يترك كرسيه ويقف ليشاهد المخلوق الغريب الذي يسمى "المرأة" أما سائق السيارة فيترك المقود لحاله ويلاحق حواء في طريقها،  وصاحب الدراجة ضال عن الطريق والراجل يضرب رجله اليمنى في اليسرى. ولا يشفع لها في ذلك وجود زوجها إلا جانبها. و منهم من  لاحق امرأة في سن أمه.

    المرأة في حواضر الريف لا ذوق لها ولا رأي، ولا يحق لها الاختيار ولو في الأكل واللباس إلا وفق ما يرتضيه الرجل ويجلبه. وضع لا ترضاه لنفسها لكنه مفروض عليها قسرا، فتنتفض وتقول: "لا ألبس إلا ما يشتريه أبي ولا حرية لي في الاختيار"

     صحيح أن الإنسان يعيش في مجتمع فيتأثر به ويؤثر فيه، لكن لا ينبغي   لوضع كرسه الاستعمار وسنوات الرصاص أن يلازمنا بعد أن مضى على استقلالنا أكثر من نصف قرن، والمسؤولية ملقاة على شبابنا باعتبارهم جيل المستقبل الذي يعول عليه في  تحرير الرجل من العقلية الذكورية التي تختزل المرأة في الجسد والشرف  فتحكم على الأم والأخت... بالسجن وتقتل فيها إنسانيتها ودورها التوعوي كعماد للمجتمع فالطائر لا يحلق بجناح واحد ولا حتى بجناح سليم وآخر معطوب.
 
 

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |